لماذا لم يوقع الرئيس الأمريكي "جو بايدن" قانون التطبيع مع نظام الأسد

من أهم القوانين التي نجح اللوبي السوري بتمريرها عبر مجلس النواب الأمريكي (الكونغرس) قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري، فقد صوّت المجلس قبل فترة بأغلبية ساحقة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على مشروع القانون، وحسبما هو معمول به في أمريكا، لا بد أن يصعد القانون بعد تبنيّه في الكونغرس إلى مجلس الشيوخ، وبعد الموافقة عليه أو تعديله، ينتهي به الأمر على طاولة الرئيس الأمريكي كي يوقعه، فيصبح نافذاً.

لماذا لم يوقع الرئيس الأمريكي "جو بايدن" قانون التطبيع مع نظام الأسد
الرئيس الأمريكي جو بايدن

من أهم القوانين التي نجح اللوبي السوري بتمريرها عبر مجلس النواب الأمريكي (الكونغرس) قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري، فقد صوّت المجلس قبل فترة بأغلبية ساحقة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على مشروع القانون، وحسبما هو معمول به في أمريكا، لا بد أن يصعد القانون بعد تبنيّه في الكونغرس إلى مجلس الشيوخ، وبعد الموافقة عليه أو تعديله، ينتهي به الأمر على طاولة الرئيس الأمريكي كي يوقعه، فيصبح نافذاً.

وكان هناك حماس شديد لدى الدوائر السورية التي عملت على سن القانون لتمريره بطبعته النهائية بأسرع وقت ممكن لكبح جماح المندفعين للتطبيع مع النظام السوري، وخاصة بعض الأنظمة العربية، وبناء على ذلك دفعوا بقانون مناهضة التطبيع مع دمشق بالإضافة إلى قانون مكافحة اتجار النظام السوري بالكبتاغون المعروف بقانون كبتاغون اثنين، دفعوا بالقانونين إلى مجلس الشيوخ ومكتب الرئيس ضمن حزمة قوانين جديدة تخص تمويل أوكرانيا لمواجهة الغزو الروسي.

 فكانت النتيجة أن مجلس الشيوخ صادق على قانون الكبتاغون، وحوّله إلى الرئيس للتوقيع، فوقع عليه فوراً، وأصبح نافذاً، لكن مجلس الشيوخ تريّث في المصادقة على قانون مناهضة التطبيع بالتنسيق مع البيت الأبيض، فشن اللوبي السوري حملة ضد الإدارة الأمريكية ومجلس الشيوخ، ثم خرجت صحيفة واشنطن بوست بعنوان مثير اتهمت فيه الرئيس الأمريكي بالتساهل مع الرئيس السوري وجرائمه.

لا بل شككت بموقف الرئيس الأمريكي في تنفيذ عقوباته ضد النظام السوري، فكانت النتيجة أن الحملة ضد البيت الأبيض المدعومة بمقال واشنطن بوست الذي لاقى رواجاً إعلامياً كبيراً في الأيام القليلة الماضية جاءت بنتائج عكسية، وأعطت انطباعاً خاطئاً بأن النظام السوري حقق نصراً ضد معارضيه، وأن الإدارة الأمريكية تفضل النظام على سواه رغم كل ما فعله، وهذا طبعاً ليس صحيحاً، حسب شخصيات سورية على اتصال مباشر بدوائر صنع القرار في أمريكا، بدليل أن الرئيس الأمريكي وقع قانون الكبتاغون الذي يخنق النظام السوري مالياً فيما لو طُبق بشكل صارم.

والسؤال هنا لماذا صادق مجلس الشيوخ والرئيس على قانون الكبتاغون ولم يصادقا على قانون مناهضة التطبيع؟ الجواب، حسب العارفين ببواطن الأمور في واشنطن، أن قانون الكبتاغون يخص جانباً واحداً فقط من التعامل مع النظام السوري، ألا وهي مواجهة تجارة المخدرات التي يديرها النظام السوري في المنطقة وباتت تشكل خطراً كبيراً على الدول المجاورة وغير المجاورة.

أما قانون مناهضة التطبيع فهو قانون شامل وبحاجة إلى إعادة صياغة ليكون أكثر مرونة ويصب في المصلحة الأمريكية، فمسودة القانون التي وافق عليها مجلس النواب (الكونغرس) بدعم من الجمهوريين الذين يريدون تسجيل نقاط ضد الإدارة الديمقراطية، كانت صارمة وقاسية للغاية وتشل يد الإدارة الأمريكية في التعامل مع الملف السوري، وهذا ما رفضه البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، لأن هناك الكثير من الملفات التي تخص الوضع السوري التي تريد الإدارة الأمريكية الانتهاء منها، وفيما لو مر قانون مناهضة التطبيع بصيغته الصارمة الحالية، فلن يعود بمقدور الإدارة التفاوض مع النظام، أو المساومة في الملفات التي تهم البيت الأبيض في الشأن السوري، وعلى رأسها، حسب المصادر نفسها، تقليم أظافر إيران داخل سوريا وقضايا أخرى، إضافة إلى معرفة مصير ستة أمريكيين مفقودين في سوريا.

 لهذا طالب مجلس الشيوخ بتعديل بنود القانون بحيث يترك مجالاً للإدارة الأمريكية في عملية المساومة مع النظام في قضايا كثيرة عالقة تريد الإدارة الدفع بها إلى الأمام.

وحسب مصادر داخل وزارة الخارجية الأمريكية، فإن الوزارة، بصفتها سلطة تنفيذية، ضغطت على البيت الأبيض كي لا يوقع على قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري بصيغته الحالية، لأنه سيغلق كل الأبواب في وجهها، وسيحول دون تحقيق الأهداف الأمريكية في سوريا، وسيعّقد عملية عقد الصفقات المتعلقة بالشأن السوري مع الأطراف الدولية والإقليمية والعربية المعنية بالقضية. لكن هذا لا يعني أبداً أن القانون تعطل ولن يمر، لا أبداً، بل إن مجلس الشيوخ سيقوم بتعديل بعض الفقرات، ثم يعيد القانون إلى مجلس النواب (الكونغرس) للتصويت عليه، وبعد ذلك يعود إلى مجلس الشيوخ للمصادقة عليه، ومن ثم تحويله إلى مكتب الرئيس للتوقيع ليصبح معمولاً به من تاريخ توقيعه، لكن بصيغة أكثر ليونة.

لهذا فإن كل القراءات التي رأت بأن واشنطن أنقذت النظام السوري من المصيّدة بعد تأجيل تمرير قانون مناهضة التطبيع قراءات خاطئة، حسب مصادر سورية نافذة داخل الدوائر الأمريكية، فليس صحيحاً أن التأجيل جاء كمكافأة للنظام على موقفه الإيجابي من الحرب الإسرائيلية على غزة، وليس صحيحاً أن واشنطن أطلقت يد النظام في الجنوب السوري بعد تأجيل القانون.

أما الهجوم الإعلامي على الإدارة الأمريكية من قبل بعض الجهات السورية في أمريكا فقد جعل النظام، من دون قصد، يبدو بمظهر المنتصر، بينما في الواقع، هو باق بوضعه المهترئ لأنه يخدم كل الأطراف المتصارعة على سوريا، ولأن الجميع يتناوب على انتعاله خدمة لمصالح خارجية.

أضف إلى ذلك أن وضع النظام يزداد وسيزداد سوءاً على كل الأصعدة رغم عودته إلى الجامعة العربية، ولا يمكن أن يحلم بأي مكافآت كبيرة يمكن أن تساعده على الخروج من عنق الزجاجة، لأنه يلعب في الوقت الضائع، مهما طال هذا الوقت.

الدكتور فيصل القاسم.