الثورة السورية والتوافد إلى دمشق

الثورة السورية والتوافد إلى دمشق

 بقلم :العميد د. عبد الناصر فرزات
إن المتتبع للأحداث العالمية وتاريخ الإمبراطوريات على مدى العصور الماضية يلاحظ أن كافة الإمبراطوريات الكبرى اتخذت من بلاد الشام الأساس لاستقرار تلك الامبراطوريات وتوسعها والسيطرة من خلالها على العالم (نظراً لأهمية بلاد الشام الجغرافية والسياسية والاقتصادية والدينية، فهي مهد الحضارات والرسل والأديان)  وإن من يسطير على الشام يسيطر على العالم. 
وقبل انهيار الخلافة العثمانية أدركت الدول الغربية الأهمية الخاصة للشام وضرورة السيطرة عليها. ومع ضعف الدولة العثمانية حاولت فرنسا وبريطانيا التغلغل في بلاد الشام وإنهاك الخلافة العثمانية من خلالها. وفي عام 1907 اجتمع وزاراء خارجية أوروبا، وتم الإقرار بضرورة فصل غرب العالم العربي عن شرقه وزرع كيان يهودي ودعم هذا الكيان لاستمرار ضعف دول المنطقة وسهولة السيطرة عليها (لا حاجة لسرد الأحداث التاريخية بالتفصيل هنا). 
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء وصناعة الكيان المصطنع، بهدف تمزيق الوحدة الإسلامية والعربية وإبقائها ضعيفة. وأصبح الاتحاد السوفياتي ظاهرياً هو الصديق للدول العربية والداعم لها والمُدافع عن حقوق العرب والسلام في المنطقة، ولكن عملياً هو الحامي لكيان يهود والمُقيد لدول الجوار والمُحدد لسياسات هذه الدول، وبعد ذلك اُنشئت جامعة الدول العربية كبديل للوحدة العربية أو الاتحاد العربي وكمشرع لقبول الإملاءات الغربية وتنفيذها من قبل الدول العربية.
عملياً كان الدور الرئيس للاتحاد السوفياتي وروسيا فيما بعد هو حماية أمن اسرائيل والسيطرة على نظام الحكم في سوريا وحمايته لدعم دولة الكيان (باتفاق دولي بين المعسكر الشرقي والغربي) وبهدف إبقاء الوطن العربي ضعيفا وممزقا. ومنذ استلام نظام حافظ الأسد الدكتاتور العميل المتسلط.
 عملت الدول الغربية، وعلى رأسها بريطانيا، على جعل هذا النظام يؤدي مهمة المراقب الأمين لكافة الأحداث في المنطقة ونقل كافة المعلومات بشكل أمين ودقيق للغرب، واضطلع بمهمة الحافظ لأمن إسرائيل وتوسعها، وأن يكون معولا لهدم القومية العربية والإسلامية بشعارات وهمية زائفة. 
ومن هنا نلاحظ أن الغرب قد زرع كيانَ يهود في فلسطين بهدف التقسيم الجغرافي والتاريخي للعالم العربي والإسلامي وتنفيذ الأعمال العسكرية في المنطقة باستخدام هذا الكيان، وأوكل إلى الاتحاد السوفياتي الحفاظ على أمن هذا الكيان، وأوكل إلى نظام حافظ الأسد المهام الأمنية وتقديم كافة المعلومات والخطط عن العالم العربي والمنطقة مقابل الدعم الغربي له في البقاء في السلطة.  
والسؤال؛ لماذا وقفت الدول الغربية وروسيا ضد الثورة السورية؟ ولماذا أقبلت إلى دمشق بعد نجاحها؟
في الحقيقة عندما بدأت الثورة السورية أدركت الدول الغربية ودولة المركز أن زوال هذا النظام هو زوال للكيان الصهيوني وزوال للمصالح الأوربية وتغيير في منظومة التحكم العالمية، وانتعاش للعالم العربي والإسلامي وتغيير للسياسات الدولية والاقليمية في المنطقة؛ لذلك سارعت هذه الدول مجتمعة إلى دعم النظام بكافة الوسائل والأساليب الممكنة وغير الممكنة (إيران وذيولها وروسيا بكامل قواها) من أجل بقاء هذا الدكتاتور القابع في دمشق داعماً لمصالحها وأمن اسرائيل والحافظ لها. وبعد نجاح الثورة السورية في القضاء على نظام الحكم الفاسد وهروب الدكتاتور المعتوه، وسحب قوى الشر من سوريا المتمثلة في إيران وروسيا ووصول الثوار الى دمشق وبسط سلطة الثوارعليها، وسيادة الأمن والاستقرار في سوريا سارعت الدول الغربية والعربية لاحتواء الموقف، بعد زوال هذا النظام وانفلات نظام التحكم في سوريا من قبضة الغرب، محاولين إيجاد الحل المناسب لبقاء النظام العالمي وعدم زواله بسبب زوال الدعامة الرئيسة، وهي نظام العمالة في سوريا. 
والنتيجة؛ مع ظهور الصين كقوى مكافئة لقوى الغرب وانتصارالثورة السورية، أصبح من الصعب ثبات نظام الإدارة العالمي، وهو مُهدد بالزوال، لذلك كنتيجة لما حدث فان العالم الغربي يعيش حالة تخبط وعدم الاستقرار، وإسرائيل تعيش حالة تململ وخوف من زوالها بالرغم من الدعم غير المحدود وبكافة الأسلحة والقوى. 
نقول للعالم : إن قوة الشعب هي الأقوى والشام لأهلها وثوارها وأحرارها مهما بلغت المؤثرات والتحديات. سورية حرة وستبقى قلب العالم النابض.