التغيير الديمغرافي ترغيباً وترهيباً !!

التغيير الديمغرافي في سورية هدف استراتيجي بدأه نظام أسد الأب، ومازالت هذه الاستراتيجية مستمرة ومتنامية ومتسارعة في الوتيرة، فقد رغَّبَ نظام الأسد الأب بالهجرة من سورية بعدة طرق:

التغيير الديمغرافي ترغيباً وترهيباً !!
التهجير القسري الذي فرضه نظلم الأسد على الشعب السوري

التغيير الديمغرافي في سورية هدف استراتيجي بدأه نظام أسد الأب، ومازالت هذه الاستراتيجية مستمرة ومتنامية ومتسارعة في الوتيرة، فقد رغَّبَ نظام الأسد الأب بالهجرة من سورية بعدة طرق:

منها التشجيع على السفر إلى دول الخليج من أجل العمل.

ثم أضاف لهذا السفر ميزة وهي إمكانية دفع بدل الخدمة العسكرية الالزامية لمن أتم خمس سنوات من الاقامة الفعلية هناك.

وكان مقدار البدل حينها خمسة آلاف دولار أمريكي، ثم عمم ذلك ليشمل مكان العمل والإقامة جميع الدول الأوروبية والأمريكيتين.

وأيضاً رفع المحفزات بأنه خفض البدل إلى خمسمائة دولار أمريكي فقط، للمهاجرين إلى كندا وأمريكا، قبل أن يرفعها لاحقا بسبب الإفلاس.

وشجع الهجرة إلى كندا وأمريكا بتسهيل الحصول على جوازات السفر وأذونات السفر إلى خارج القطر للموظفين في الدوائر الحكومية، مع إمكانية الحصول على إجازة طويلة من العمل من غير راتب.

ولذلك كان الناس في الثمانينيات والتسعينيات، يقفون أمام القنصليتين الكندية والأمريكية رتلاً طويلاً عدة أيام، ويتناوب أفراد الأسرة للحفاظ على ترتيبهم في الرتل، من أجل تقديم طلبات الهجرة.

كما قام بتشجيع إعارة المدرسين الموظفين في وزارة التربية لمدة أربع سنوات، قابلة للتمديد سنة إضافية، من أجل السفر والتعليم في دول الخليج والجزائر وبعد السنة الخامسة يحق للمدرس الاستقالة من وظيفته التعليمية في سوريا، ليستمر في العمل في دول الخليج.

وقد كانت خطة شديدة الدهاء لتفريغ البلد من أهلها، فالغربة تؤدي إلى الإدمان بعد خمس سنوات من العيش فيها، وخصوصاً أن الظروف الحياتية العامة في جميع دول الخليج أو أمريكا وكندا وأوروبا أفضل بما لا يقاس من المرات بالظروف المعيشية في سوريا بعد أن استلم السلطة الأسد الأب.

الراتب الشهري للموظف السوري عند بداية وصول الأسد إلى السلطة، كان أفضل من نظيره في الخليج، ذلك أن سعر صرف الدولار يومها كان ثلاث ليرات وستين قرشا سوريا، بينما سعره مقابل الريال السعودي ثابت ويعادل:

ثلاثة ريالات وخمس وسبعين هللة، بعد ذلك بدأ سعر الليرة بالهبوط التدريجي حتى وصل إلى حوالي 50 ليرة مقابل الدولار في نهاية حكم الأسد الأب، واستمر الانخفاض بطيئاً قرابة عشر سنوات في عهد الابن، وبعدها بدأت الليرة بالسقوط الحر لتصل إلى حوالي 1300 ليرة مقابل الدولار. 

وحرص الأسد من يومها على استبدال السوريين المهاجرين بآخرين من العراق تحت عنوان الإنسانية والإيواء من بطش صدام حسين، أو من إيران تحت بند السياحة الدينية والتقارب العقدي، وكثير من تلك الرحلات كان باتجاه واحد.

ترغيب السوريين بالهجرة استمر من بداية وصول الأسد الأب إلى السلطة عام 1970 ولم يتوقف بعد ذلك بل زاد عليه بعد عشر سنوات من وصوله إلى السلطة تهجير بالإرهاب، فغادر سوريا يومها مئات الآلاف هرباً من بطش المخابرات الأسدية.

بعد أن استتب الأمر للأسد الأب عام 1982، زادت وتيرة الفساد الإداري والمالي في مفاصل الدولة، فزادت وتيرة الهجرة خصوصاً أن الناصحين بالسفر كانوا لا يخفون ذلك لمن كان عصيا على الانحدار في وادي الفساد قبل أن تطاله عملية الاعتقالات بتهمة الانتماء إلى أحزاب معارضة، محكوم عليها بالإعدام، فكانت تلك النصيحة كافية لحزم حقيبة السفر الخفيفة، وكان قد صدر القانون 49 للعام 1979، القاضي بإعدام كل منتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين، وتثبيت التهمة من خلال محاكم صورية تتم في داخل المعتقلات. 

وهكذا نجد أنه كان هناك تناسب طردي بين الفساد والديكتاتورية من جهة وبين الهجرة ومغادرة البلاد من جهة أخرى.

 وقد ذكرت وزيرة شؤون المغتربين بثينة شعبان في العام 2006 أن عدد السوريين المغتربين يعادل عدد السوريين المقيمين في سوريا.

 وكان عدد سكان سوريا حينها حوالي 18 مليون نسمة.

وقد ارتفعت هذه الأرقام والنسب بعد الربيع العربي فزاد عدد المهجرين والنازحين، فأصبح ما لا يقل عن ثلثي السوريين يعيشون في المهجر أو المنفى الاختياري أو النزوح أو اللجوء إلى أوروبا ودول الجوار.

وقد شبعت حيتان البحر الأبيض المتوسط من أجسام الأطفال والنساء والشيوخ الذين غرقوا في رحلة الأحلام الوردية إلى بلاد الرخاء والحرية والعدالة الاجتماعية، وفي المقابل زادت وتيرة التجنيس للقادمين من إيران وباكستان وأفغانستان وتزايدت أعداد الحسينيات كالفطر في مدن سوريا ولم نكن قد سمعنا بها في السبعينيات.

ثم تخطى الموضوع التهجير بالترغيب والترهيب، إلى التغيير بالبراميل المتفجرة تسقط فوق رؤوس الأبرياء من الأطفال والنساء والمرضى في المستشفيات والعابرين في الأسواق والشوارع والأزقة، حتى فرغت سوريا من أهلها، وعلى الوجه الآخر فتح النظام الباب لإدخال كل من هب ودب من أذناب إيران وحزب الله، ولم يعد خافيا على أحد كيف تم تشكيل الفرقة العسكرية المسماة (الزينبيون) التي تجاوز عدد مقاتليها العشرين ألفا، من شباب اللاجئين من شيعة أفغانستان إلى إيران، وزاد الطين بلة استقدام الروس والروسيات.

النزوح لا يكفي فالمطلوب هو التغيير الديمغرافي، لذلك نجد أن النظام والروس معه وكذلك أعوانه من فارس يقومون بين حين وآخر بقصف المنطقة المحررة من شمال سورية، والهدف واضح أن قوموا من هنا وهاجروا إلى تركيا أو أبعد من ذلك.

وقد استثمر اليوم كذبة من اختراعه تقول إن الفصائل المعارضة قامت بمهاجمة الكلية الحربية في حمص بالمسيرات وقتلت بعضاً من المشاركين والحضور، وذلك مبرراً للقصف على المنطقة المحررة، منتهزاً فرصة انشغال العالم بالحرب على غزة.

ويطل علينا اليوم بطل النصر الإلهي المزعوم، الذي شارك في قتل وتهجير الشعب السوري وفي دمار البنيان والعمران، يطل بعبقرية تفوق عبقرية ابليس، فيهدد أوروبا بقصفها باللاجئين السوريين الموجودين في لبنان.

وإن نفذت ذخيرته فسوريا موجودة وما يزال فيها بضعة ملايين يمكن تهجيرهم واستخدامهم كذخيرة.

التغيير الديمغرافي تمت ممارسته بترغيب الشعب تارة وإرغامه على الرحيل بالإرهاب تارة أخرى، ولكن شعبنا الصابر وقد انتبه إلى هذه السياسة فإنه قادر على تغيير المعادلة بتوحده والتفافه حول قيادة واعية تتفهم الخطط الأسدية والفارسية، وتستطيع مواجهتها.

بلال داود -كاتب سوري.