نظام الأسد يتهالك، فماذا نحن فاعلون؟

قد يقبل الأسد التقسيم على عودة السوريين شريكاً، في تحديد مصير بلدهم، إذا أيقن أنه نجا من فحص الجدوى بعد غزة، ولو بنظام أشد تهالكاً، لذلك على الشعب السوري وثورته تقديم مقاربة استباقية الآن، ومَنْع انفراد النظام بصفقات الضعف الاستراتيجي، والإذعان المفتوح على حساب مستقبل بلدنا.

نظام الأسد يتهالك، فماذا نحن فاعلون؟
نظام الأسد يتهالك

دون أن تدري، نَصَبَت غزة ببراعة فخاً لبعض مَن استثمر في دمها. فهي دون أن تحسب نظام الأسد في عداد مناصريها، تسبّبت بحصره، وهو العصي على كل تنميط ايدلوجي، بما أتقنه من فن الميكافيلية واللعب على التناقضات. لقد حصرته بفخ نَصَبَه مع شريكه الإيراني وفق تقديرات يائسة خاطئة توهّمت بأن العملية ستنتهي بكلفة بشرية تفرض على اسرائيل الخضوع لقواعد تفاوضية جديدة، تُحْدِث انفراجة بوضع نظام محاصر معاقب متهالك ككل منظومته التخادمية.

بعد سجلٍّ حافل من الفشل باستخدام الجريمة وسيلةً، والمكابرة منهجاً لتحقيق شعار “أحكمها أو أدمّرها” في سوريا، لم يبقَ أمام هذه المنظومة الاستبدادية الأسدية إلاّ الاستدارة، وتقديم التنازلات بكل الاتجاهات، علّها تحصل على تجديد لعقد التخادم، كيفما كان، إلا أن استدارتها الحتمية تأتي مع انتهاء دورها التخادمي، ولم تعد تعدّياتها على الحقوق والحريات العامة مغطّات خارجياً.

يعلم القاصي والداني أن نظام الأسد – غير المنمط ايدلوجياً – مستعد لكل أنواع الاستدارات، إذا استشعر خطرًا وجوديًا، وها هو ربما يتيقَّن أخيراً أن وزنه الإقليمي والداخلي تم المساس به بشكل هائل، واحترقت اوراقه القديمة، ولم يعد ينفعه حتى حياد الجولان، ولا أن يقدم نفسه راعي أقليات، ولا مناضل ضد جهادية سنية، كان أحد المشاركين بصنع نموذج أكثر تطوراً وعنفًا منها في غزة.

سيتفاقم حصاره أكثر عندما يتم أضعاف منظومة إيران وشلها وإنهاء دورها. ومن هنا نراه الآن في حالة انكفاء، يخنقه تجدد ثورة في الداخل لم تمُت، وضغوطٌ اقتصاديةٌ وشعبيةٌ بلا أي انفراجة، وقوات أجنبية تحرمه السيادة. تراه يستشعر أن ثمة صفقة في الأفق، على حساب شيء ما، ليكون مستعداً لكل التنازلات، ولكن سقف تنازلاته الخارجية صار ورقة محروقة استُهلكت. لقد تعوّدت هذه المنظومة أن تساوم، وتقدم التنازلات لأي جهة خارجية، ولكنها لم تفعل ذلك يوماً تجاه شعب سوريا.

ما يحدث في المنطقة وبين ظهرانيه مؤخراً سيدفعه – ولأول مرة في تاريخه – باتجاه تجرع كأس التنازلات، حيث خياراته شبه معدومة. ها نحن نراه مؤخراً يندفع بحزمة حلول ظرفية مرتبكة؛ تارةً يصدر مرسوماً يحمي احتلالاً ديمغرافياً إيرانياً، وتارةً يلغيها؛ يندفع نحو الصين، ويعود خالي الوفاض؛ ونحو الخليج، ثم لا يجني سوى عناوين إعلامية وانسداد آفاق؛ ينتظر أن تثمر عملية غزة موقعاً أعلى ندية تفاوضية، فينقلب السحر؛ يحاول تلقُف عصا موسى، ولكن ما مِن مجيب.

قد تصل الأمور بنظام الاستبداد في ظل هذا الانهيار الى تعديل قانون الإدارة المحلية والإقرار بحكم ذاتي لجملة من المناطق السورية كي ينجز التقسيم ويحظى بما سمّاه يوماً “سوريا المفيدة”. بالأمس يصدر قانوناً جديداً لاتحاد الطلبة يرفع يد حزب البعث عنه، وينهي تدخله وصلاحياته في التعليم ومؤسساته، وعمله كرديف استخباراتي. يأتي ذلك في ظل إعادة هيكلة أجهزته المخابراتية والاستبعاد الهادئ لرتب كبيرة مطلوبٌ اخراجها من المشهد تحتمه التطورات.

في الختام، ها هي المتغيرات تسفر عن نظام أكثر تهالكاً، وأسرة حاكمة مذعورة قابلة لتقديم تنازلات جدية كبرى، فلا بد لثورة السوريين من استرداد وطن وشعب بالرَد على هذه الميكافيلية القذرة ببراغماتية حميدة؛ وعلى الاستراتيجي بحصاد ولو تكتيكي. لا يجب أن تمر غزة دون حصاد وجدوى للسوريين؛ هذه مسؤولية تاريخية لحراك وطني تحرري كبير نستحضره في كل منعطف قاتل يوشك أن يضيع خلفه وطن.

ومن هنا فإن الاعداد لكل سيناريو افتراضي واجب ومسؤولية، فقد يقبل الأسد التقسيم على عودة السوريين شريكاً، في تحديد مصير بلدهم، إذا أيقن أنه نجى من فحص الجدوى بعد غزة، ولو بنظام اشد تهالكاً، لذلك على الشعب السوري وثورته تقديم مقاربة استباقية الآن، ومَنْع انفراد النظام بصفقات الضعف الاستراتيجي، والإذعان المفتوح على حساب مستقبل بلدنا.

د. يحيى العريضي