لماذا نحن هكذا ؟ قراءة في المشكل السياسي في سوريا

لماذا نحن هكذا ؟ قراءة في المشكل السياسي في سوريا
سوريا

بغض النظر عن التحليلات التي تذهب إلى طبيعة العربي كمنتج قبلي يتمحور حول ذاته مثالا للأنا، أو التحليلات الفلسفية الاجتماعية التي ترصد حالة الوعي الاجتماعي السليم في أثر الفرد بمجتمعه وبنائه، أو أثر المجتمع في مواطنه، أو بالدراسات التاريخية التي تحاول تشكيل الشخصية وطبيعتها، وتوجه الفكر وتبلوره وتعبيره عنها، أو تلك الدراسات التي تدرس بنية المجتمع فتستخرج الماهية والطبيعة والنفسية الاجتماعية، والتطور داخل هذه البنية.

لا أرغب بالدخول في كل هذا، وإن كان كلامي سيعود بالنتيجة إليها، وإنما أنزع إلى نوع من الاختصار الميسر، معترفا بدور الاستعمار، وقوة وجوده داخل الحدث وإنتاجه وفق مصالحه، لأقول : "إن تفاهة أحزابنا العربية وأمراضها، وخيانة من تصدروا لقيادة الدولة هما وراء ما وصلنا إليه في سوريا وغيرها".

ففي عام 1965م أصبح حديث الشارع السوري عن الطائفية وسيطرتها على الجيش والمؤسسات الأمنية، وشاعت كلمة ( عدس ) تعبيراً عن الثلاثية الطائفية المستشرية في المجتمع السوري.

وفي عام 1970م ردد هذا الشارع بثقة: أن اللعبة الطائفية اكتملت، وأن هدف الطائفيين هو تدمير سوريا، وخاصة عاصمة الأمويين.

وتعجب أن بسطاء المجتمع السوري يشخصون لك ثلاثة أمور لا يختلفون على حقيقتها :

1- طائفية الدولة ونهجها وأهدافها .

2- غباء الطائفيين التاريخي، وعدم أهليتهم لقيادة شعب كالشعب السوري .

3- أن الطائفية صنيعة الاستعمار الفرنسي، وأن الجيش السوري أسسته فرنسا بدءاً من قوات الشرق، وخطة غورو.

وهنا يشخص السؤال المحير، كيف حكم هؤلاء؟ واستمروا إلى يومنا هذا الذي صدّق فيه على كل ما اتفق عليه الشعب السوري، فقد دمر الطائفيون سوريا، وفعلوا بها الأعاجيب ؟

حتما ستتفق معي على الآتي:

1- وجود الانتهازيين الذين باعوا أنفسهم للحاكم الخائن فشاركوه خيانته للوطن لقاء المال والجاه، أو لنقل سقوط المجتمع العميق بيد الدولة العميقة الفاسدة حيث التقى الفاسدان.

هذا صحيح ولكن لابد من تشخيص هؤلاء: من هم؟ كم عددهم؟ هل هم متخلفون أغبياء لا يدركون أهمية الوطن ومستقبله؟ هل هم ممن يمتلكون وعياً ذاتياً مريضاً استغلوه لإقناع أنفسهم وغيرهم أنهم يحسنون صنعاً.

2- ضعف الانتماء الوطني الذي عجز عن تشكيل وعي عام كي ينتج رأياً عاماً حول المشكل الوطني والبحث عن الحلول الوطنية الناجعة.

وهذا أيضا صحيح ، فالوعي الجماهيري ضعيف ومضطرب ومن الصعب أن يجمع الناس على رأي واحد، ولهذا انتشرت ظاهرة الاغتراب داخل المجتمع، والهجرة خارج الوطن، واستشراء فساد المجتمع العميق.

3- العنف المثير للرعب الذي انتهجه النظام في القتل والتعذيب غير المسبوق بدعم غير محدود من حكومة العالم.

وهذا لاشك فيه، ولكن ليس كل الجلادين من الطائفة العلوية، ولا كل المخبرين السريين منهم ، وهنا أشير أولا إلى أبناء الشيوخ والوجهاء والممثلين للقبائل وللأسر المتنفذة من كبار التجار وذوي الأموال الذين دخلوا أجهزة الأمن مفسرين دخولهم بمكانتهم الاجتماعية واحترام النظام لهذه المكانة ( رغم تفتيت سطوة هؤلاء على قبائلهم ، وهذا يحتاج إلى وقفة طويلة ).

ويبدو أننا وصلنا إلى نقطة مفصلية وخطيرة؛ وهي أننا جميعاً نتحمل المسؤولية فيما وصلنا إليه، وهذا يعني أنه لم يوجد بيننا حكم وطني شريف يمتلك الشجاعة والجرأة في تسليم السلطة للشعب ضمن منهج مدروس يقوم على مراحل يهيئ بها كوادر واعية تنشر ثقافة المواطنة والعدالة وبناء الوطن والنزاهة والتنافس الشريف.

كل أنظمتنا صنعت جلادين وأفاقين ومخبرين وساقطين وانتهازيين ولصوصاً ومنحلين خلقياً وجبناء مهزومين من غير حرب، ونحن نسميها أنظمة وطنية ؟!!

الوطنية ليست مسؤولية فرد بعينه، لكنها مسؤولية من يتصدر حكم البلاد، ويدعي أنه مثقف يعيش جراح الوطن ويتحسس آلامه أكثر من المواطن العادي الذي لا يعي في كثير من الأحيان دوره في الدفاع عن سلامة الوطن من الانتهازيين، والواقع يقول إن الانقلابات العسكرية - بقطع النظر عن تصميمها خارجياً - عجزت عن قصد أو عن غير قصد في التضحية بمصالحها الدونية في اغتصاب الوطن كي تكون مثالاً للتضحية في تسليم السلطة للشعب، بل كشف الربيع العربي أن المؤسسات العسكرية والأمنية هي الأخطر على الوطن وسلامته وبنائه، فشاركت بوحشية في قمع الثورات، وبرز فيها انعدام الوعي من أعلى رتبة إلى حارس بوابة المعسكر.

وهنا يبرز المشكل السياسي بدءاً من الاستعمار وموروثه وانتهاء بالمواطن العادي المنشغل بلقمة عيشه... وإزاء هذا فإن معركتنا هي معركة وعي بالدرجة الأساس، فحين يتوقف العسكري ورجل الأمن عن تنفيذ أوامر القتل، وقبول استباحة الوطن وعدم السماح للسفاح بممارسة دور الألوهية، ويكون لدينا مواطن قادر على حماية حقوق الوطن وحقوقه نكون قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح.

ومن هنا يصح لنا أن نشخص ما وصلنا إليه بعد ثلاث عشرة سنة من الثورة السورية، وما برز شاخصاً من أمراض خطيرة على جميع الأصعدة حتى أصبحنا في فوضى نحسد بها ما كنا عليه في مآسي النظام المزدكي المجرم المتخلف، وكلنا نعترف أنها أمراض النظام ورثناها عنه بوفاء شديد ومحبة كبيرة لقيم الانحلال الأخلاقي، فلا قيادة للمعارضة تقوم بمهمة ضبط مجتمع الثورة، فتستحق الاحترام، ولا منظمات نزيهة تحظى بتقدير الشعب، ولا مؤسسات تحترم العلماء والشعراء والأدباء وإنما تيوس لا علاقة لهم بالعلم والأدب يتناحرون بينهم طمعاً بالسرقة والمناصب المخزية وإقصاء الشرفاء وخلق صنائع تدربوا في أجهزة أمن النظام، وقسم كبير منهم دستهم تلك الأجهزة وأوصلتهم إلى تسنم مراكز هذه المؤسسات.

باختصار نحن اليوم انعكاس طبيعي لما زرعه النظام الفاسد خلال أكثر من خمسين سنة؟

وإزاء وضع نشخصه ونعرف أسبابه وأبعاده لابد لنا أن نرفضه، وأن يتوافق الشرفاء ممن لم تلوث أياديهم، وأثبتت سنوات الثورة نزاهتهم أن يشكلوا لجان دراسة تعيد مسيرة الثورة إلى طريقها الصحيح، وتشخص الأمراض التي أوصلتنا إلى هذه الفوضى المخجلة، وتشخص حال كل من خان الثورة، وسرق أموال الشعب، وركب الثورة تحقيقاً لمصالح ذاتية، ومن ثم وضع منهج جديد لعمل الثورة على كل الأصعدة، وإبقاء حالة تقويم الأداء وإبعاد الثورة عن أمراض السلطة وحب الذات ولصوص المناصب وتجار الدم والنفاق الرخيص، ومحترفي تشويه الشخصيات الوطنية الفاعلة.

الدكتور عبدالحق الهواس.